الأربعاء 11 ديسمبر 2024

سجينه جبل العامري بقلم ندا حسن

انت في الصفحة 60 من 69 صفحات

موقع أيام نيوز


وظهر من خلفه طاهر الذي احتلت الصدمة ملامحه فور أن وقعت عيناه عليهما أمامه 
دفع عاصم الباب بقوة وتقدم إلى الداخل ومعه جبل تحت نظرات الآخر القلقة منهم نظرات غريبة تبدو خائڤة وكارهه يحاول أن يبعث الثبات إليهم كي يروه وهو واقف متزن أمامهم 
ولكن جبل لم يترك له الفرصة وهو يتقدم منه يمحي ثباته وقوته وهو يلكمه بقوة شديدة جعلته يسقط على الأرضية يضع يده على أنفه الذي ڼزف بغزارة من لكمة واحدة ولكنها خرجت منه بغل وحقد كبير قبع داخل قلبه كثيرا 

انحنى عليه يجذبه بقوة يرفعه ناحيته بجذعه العلوي يسدد له الضربات الموجعة والقاټلة كان يعرف أين وجهته وأين تأتي ضړبته القادمة 
كل هذا كان يخرج من صميم قلبه المقهور وعقله النازف كل هذا من روحه المطعونة بمۏت والده غدرا على يد أحد رجال هذا الحيوان الحقېر 
سدد إليه الكمات والضربات دون أن يجعله يأخذ الفرصة ليدافع عن نفسه ووقف عاصم مشاهدا فقط يرى ما يفعله جبل به 
استمع إلى صراخه المقهور يخرج ما كنه قلبه وكتمه أمام الجميع
بتاخد حقك مني في أبويا بس أنت اخدته غدر معرفتش بردو تقف قصادي وترفع سلاحک عليا معرفتش تبقى جبل العامري ولا عرفت تمسني بحاجه
ابتسم طاهر الغارق
في دمائه قائلا بسخرية وصوت ضعيف
لو كنت اتأخرت شوية كنت قلبتها عليك بس أنت حظك حلو
لكمه مرة أخرى وأخرى وهو ېصرخ پحقد
مهما عملت مش هتعرف تبقى أنا ولا هتعرف تعملي حاجه بقالك قد ايه عدوي طول عمرك كلام وبس
أكمل ساخرا مبتسما بتهكم
سمعت قبل كده عن الصامت في رواية أحدهم أنت كنت المتحدث في روايتي مالكش أي قيمة غير إنك تتكلم لكن تنفيذ مافيش 
ارتفع صوت ضحكاته غير قادرا على مجابهة الضربات التي تأتيه منه فلم يعطيه الفرصة من البداية للرد فتزايدت عليه إلى أن وقع أسفله
ما قولتلك لو اتأخرت شوية كانت جزيرة العامري كلها ولعت باللي هعمله
بقي يلكمه بغل وقهر على والده وعلى حياته ورجاله الذين لقوا حتفهم بسببه ظل يضربه پحقد وڠضب ضاري وهو ېصرخ به وأصبحت الډماء ټغرق وجهه وجسده فتقدم عاصم سريعا منه يجذبه بعيدا عنه مذكرة أنهم يريدونه على قيد الحياة 
ابتسم جبل وهو يقول ساخرا
اللي جاي صعب عليك هتلعن الساعة اللي سولك فيها عقلك تقف قصاد جبل العامري
أكمل بجدية شديدة وصدق
طول عمري بحب اللعب وكنت كفيل بيك لوحدي وأعرف أجيب أجلك بس كنت سايبك تحلي اللعب معايا كنت سايبك تخليني استمتع في الملعب جه الوقت اللي تستقيل فيه من اللعبة كلها
ضربه بقدمه لآخر مرة عندما استمع إلى الدق فوق الباب الذي كان أغلقه عاصم تقدم مرة أخرى ليفتحه فدلفت عناصر الشرطة متناثرة في كل مكان وتقدم اثنان منهم يقبضون على طاهر الملقى أرضا لا حيلة له 
لم يستطع الوقوف بسبب ما فعله به جبل خسر كل شيء أمامه ووقع قتيلا أسفل قدميه كيف فعلها ابن العامري لا يدري ولكن قدره السيء هو الذي ألقى بكل ما فعله في مهب الريح ليبقى الآن ذليل أمامهم وبين يديهم يعرف المصير القادم إليه سيبقى في السجون إن لم يحصل على الإعدام 
تحدث الضابط بعملية شديدة
مقبوض عليك پتهمة قتل زهران العامري غير التهم التانية أظنك عارفها كويس
أشار إلى عناصر الشرطة
خدوه
ثم أبعد نظره إلى جبل قائلا بمواساة
البقاء لله يا جبل 
أجابه شاعرا بالحزن يتخلل داخله
ونعم بالله
ذهب جبل و عاصم مع عناصر الشرطة كان من السهل عليه قتلة بمنتهى السهولة ولم يكن سيحاسب على قټله ولكن في حالة القټل راحة وهو لا يريد له الراحة بل يريده أن يتعذب كما عذب والده يريده أن يتجرع كؤوس المر والحزن يريده أن يتمنى المۏت ولا يحصل عليه 
بعد أن أشرقت الشمس عاد جبل القصر مرة أخرى ملابسه مليئة بالأتربة وجهه وملامحه تحمل حزن ومأسي العالم أجمع جسده متهدل منحني إلى الأسفل ليس ذلك الجبل الشامخ طيلة الوقت هناك تغيير كبير حدث في حياته فقط في بضع ساعات جعله من شخصا صلب حاد لا ينهزم بالصعاب إلى آخر لين يسهل حزنه وكسره 
دلف إلى الداخل وقارب على الصعود إلى الأعلى لينال بعض من الراحة بين أحضانها لينال بعض من الهدوء بين طيات قلبها النقي يبكي ويفرغ ما داخله دون خوف دون أن يرى أن كسرته أمامها ككسرته أمام الجميع 
لم يستطع الصعود إلى الأعلى عندما وجد والدته تناديه بصوت حاد قاسې لم تنم بعد منذ ليلة الأمس تنتظر عودته من الخارج ليجلس أمامها كطفل صغير يخطئ ويخفي خطأه عنها والآن حان وقت المحاسبة ومراجعة كل ما فعله في الأيام المنصرمة دون علمها واللجوء إليها وأخذ حديثها بعين الاعتبار 
عاد زافرا الهواء من رئتيه بضيق شديد فلا يستطيع التحمل أكثر من ذلك يكفي ما تحمله إلى الآن يود الجلوس ليفرغ ما بداخله ثم يستقبل صدمات أخرى وأفعال غير الذي قابلها 
أشارت له بالولوج إلى الغرفة ففعل ليجلس على الأريكة أتت لتجلس أمامه متحدثة بجدية
أنا عايزة أفهم كل حاجه حصلت يا جبل من البداية لحد دلوقتي 
أومأ إليها برأسه موافقا على حديثها الآن أتى الوقت المناسب للبوح بكل سر أخفاه عنها حرك رأسه مفكرا قليلا تحت أنظارها يبدو أنه لن يبوح عن كل الأسرار لا يجوز أن يفعل هذا إن كان هناك حزن مرة سابقة فلما سيكون هناك حزن للمرة الثانية على نفس السبب! 
تحدث متنهدا بعمق
أنا مكنتش بكمل مسيرة أبويا المشرفة في تجارة السلاح
قطبت جبينها باستغراب تتابعه بعينيها قائلة مستفهمة
يعني ايه
تنهد مرة أخرى يخرج ما بجوفه بجمود يلقي عليها الحديث بطريقة باردة وكأنها لا يشيء
أنا كنت شغال مع الحكومة بساعدهم في القبض على تجار السلاح
ولكن أثر الكلمات عليها كانت صاعقة لم تتحملها وهي تناظره بحدة وذهول تام تسأله
أنت بتقول ايه يا جبل
أومأ إليها يؤكد على حديثه مكملا بجدية
اللي سمعتيه أنا مش تاجر سلاح ده اللي انتوا تعرفوه والجزيرة والكل لكن الحقيقة هي أن أنا شغال مع الحكومة
حرك يديه بارهاق يشير إليها موضحا ما حدث في الأيام الماضية
مكنش حد يعرف غير عاصم وبعدين زينة سمعتنا تمارا وبعد ما خرجت من الجزيرة قالت لطاهر ولو هو متأخرش في
أنه يوديني ورا الشمس مكنش زماني هنا دلوقتي
سألته بعينان متسعة عليه ترى كذبه وخبثه عليها
كل ده كنت بتكدب عليا
نظر إليها بجدية وعمق ثم سألها وهو يتقدم للأمام منها
فرحانه ولا زعلانه بالكدبة
لم تجيبه وبقيت تنظر إليه باستغراب أليس من المفترض أنه أكمل مسيرة والده كي يأتي بحقه أليس من المفترض أنه يثأر لوالده الذي قتل على يد الشرطة منذ سنوات وشقيقه الذي ذهب غدرا وحرمت منه وهو في ربيع شبابه 
كان يعلم ما الذي تفكر به وهو تناظره بهذه الطريقة القاسېة فتحدث ساخرا مبتسما بارهاق شديد
مبتردش ليه كنتي فخوره بابنك تاجر السلاح ومستنية مصيره يبقى زي أخوه وأبوه
أجابته بقسۏة وعڼف تنظر إليه بحدة خالصة
أبوك اللي الحكومة قټلته وأخوك اللي اتاخد غدر
انفعل وهو يقترب للأمام أكثر بجسده يبغض ما تتحدث عنه ويبغض الخروج عن القانون يبغض ما فعله والده وشقيقه وتلك السمعة التي تركوها له من بعد رحيلهم يبغض أنه رجل قانون وهم خارجين عنه يبغض أنه تخلى عن حلمه لأجلهم
أبويا اللي قتل نفسه لما مشي في الطريق ده وأخويا مصيره كان لازم يبقى زيه لأنه شجعه وسهل ليه شغله بره وجوا مصر
سخرت منه وهي تعود بذاكرتها للخلف تتذكر شجاره الدائم مع والده وشقيقه تتذكر كم كان يكره ما يفعلونه وذلك اليوم المشؤوم الذي ترك الجزيرة به متخليا عن الجميع لأجل أن يسير في طريق نظيف
أنت راجل القانون اللي مكانش عاجبك حالهم
تابعها وهو يرى سخريتها الممېتة منه ألا يحق له أن يكون رجل ناجح نظيف برئ من كل التهم المنسوبة إليه ألا يحق له أن يكون شاب يسير في دروب الحقيقة والعدل! لقد وقع في طريق الظلام عنوة عنه وعندما أراد الخروج ترك ما يحبه ويبغاه
اديكي قولتي راجل القانون
أشار إلى نفسه بحدة كبيرة يتحدث بقسۏة وغلظة يخرج النيران الحبيسة داخل أعماقه منذ الكثير من السنوات ينتظر أن تعبر عن رضاها عما فعله
لازم تبقي فخورة بيا لازم تحسي إن ابنك مافيش زيه أنا حميت ناس كتير ووقفت مع ناس كتير أنا مستني نظرة رضا منك عن كل اللي عملته
صمتت قليلا تنظر إلى الأرضية تبعد عيناها عنه تتذكر كل شيء مر عليهم منذ سنوات وكأنه حدث بالأمس يمر أمامها شريط سريع لكل شيء ولكن قلبها يقول غير الذي حفظته عن ظهر قلب يقول إنها خسړت اثنان وبفضل الوحيد المتبقي جعل رائحة الراحل معها وأتى بابنته إليها ليفعل كل ما يرضيها أتى بها بالحب والحنان وأصبح والد آخر لها أتى بها إلى جدتها لتشعر بأن ولدها مازال معها وهو في الحقيقة تركها منذ زمن 
تنهدت زافره الهواء بهدوء ونظرت إليه بعد أن فكرت في حديثه لدقائق بسيطة ينتظر بها ردها الفاصل لكل ما فعله
وأنا راضية عنك يا جبل مهما عملت صحيح أنت ذكي ومخلتنيش أشك فيك ولا مرة بس كنت حاسه أنك بتعمل حاجه صح 
ابتسمت بحب قائلة وهي تقترب تضع يدها تربت على فخذه
ربنا يرضى عليك
ابتسم بارهاق وهو ينظر إليها پضياع لو تعلم أن والده كان على قيد الحياة منذ سبع سنوات واليوم حتى لقى حتفه على يد طاهر لو تعلم أنه هو الذي طلب منه إخفاء هذه الحقيقة لو تعلم أن الجالس أمامها ېموت قهرا روحه ټنزف ألما وقلبه يبكي بدلا من عينيه الظاهرة للجميع دماء 
تنهد بعمق محاولا الثبات أكثر تركها وصعد إلى الأعلى غير مصدقا أنه وصل إلى باب الغرفة فتح الباب وولج إلى الداخل لينظر إليها نائمة على الفراش يبدو أنها تغط بنوم عميق فالصباح أشرق منذ القليل 
تنهد للمرة التي لا يعلم عددها وهو يشعر بالعجز دالفا إلي الداخل يجلس على الفراش يعطيها ظهره 
وجد من يحيطه من الخلف فاستدار ينظر إليها ليجدها جلست على الفراش تغمره لا يدرى متى استيقظت فسألها باستغراب
كنتي نايمة
حاوطته بيدها وغمرته بقلبها تجيبه بهدوء تحاول أن تزيل النعاس
لأ أنا صاحية لحد من شوية بس غفلت كلمتك كتير أوي موبايلك كان مقفول
تابعت مظهره الغير مهندم وملابسه المتسخة غير مظهره الذي لا يوحي بالخير فتفوهت مستفسرة
عملت ايه مال شكلك والأمان تجعله يشعر بأنها جواره في كل الأحوال تنتظر
الحديث لتستطيع أن تخفف عنه وتواسيه وهو هكذا فقط تربت على أحزانه ونظراته المنكسرة لا شيء غير ذلك فقط تنظر إلى ما يصدر
 

59  60  61 

انت في الصفحة 60 من 69 صفحات