سجينه جبل العامري بقلم ندا حسن
وظهر من خلفه طاهر الذي احتلت الصدمة ملامحه فور أن وقعت عيناه عليهما أمامه
دفع عاصم الباب بقوة وتقدم إلى الداخل ومعه جبل تحت نظرات الآخر القلقة منهم نظرات غريبة تبدو خائڤة وكارهه يحاول أن يبعث الثبات إليهم كي يروه وهو واقف متزن أمامهم
ولكن جبل لم يترك له الفرصة وهو يتقدم منه يمحي ثباته وقوته وهو يلكمه بقوة شديدة جعلته يسقط على الأرضية يضع يده على أنفه الذي ڼزف بغزارة من لكمة واحدة ولكنها خرجت منه بغل وحقد كبير قبع داخل قلبه كثيرا
كل هذا كان يخرج من صميم قلبه المقهور وعقله النازف كل هذا من روحه المطعونة بمۏت والده غدرا على يد أحد رجال هذا الحيوان الحقېر
سدد إليه الكمات والضربات دون أن يجعله يأخذ الفرصة ليدافع عن نفسه ووقف عاصم مشاهدا فقط يرى ما يفعله جبل به
بتاخد حقك مني في أبويا بس أنت اخدته غدر معرفتش بردو تقف قصادي وترفع سلاحک عليا معرفتش تبقى جبل العامري ولا عرفت تمسني بحاجه
ابتسم طاهر الغارق
في دمائه قائلا بسخرية وصوت ضعيف
لو كنت اتأخرت شوية كنت قلبتها عليك بس أنت حظك حلو
لكمه مرة أخرى وأخرى وهو ېصرخ پحقد
أكمل ساخرا مبتسما بتهكم
سمعت قبل كده عن الصامت في رواية أحدهم أنت كنت المتحدث في روايتي مالكش أي قيمة غير إنك تتكلم لكن تنفيذ مافيش
ارتفع صوت ضحكاته غير قادرا على مجابهة الضربات التي تأتيه منه فلم يعطيه الفرصة من البداية للرد فتزايدت عليه إلى أن وقع أسفله
بقي يلكمه بغل وقهر على والده وعلى حياته ورجاله الذين لقوا حتفهم بسببه ظل يضربه پحقد وڠضب ضاري وهو ېصرخ به وأصبحت الډماء ټغرق وجهه وجسده فتقدم عاصم سريعا منه يجذبه بعيدا عنه مذكرة أنهم يريدونه على قيد الحياة
ابتسم جبل وهو يقول ساخرا
أكمل بجدية شديدة وصدق
طول عمري بحب اللعب وكنت كفيل بيك لوحدي وأعرف أجيب أجلك بس كنت سايبك تحلي اللعب معايا كنت سايبك تخليني استمتع في الملعب جه الوقت اللي تستقيل فيه من اللعبة كلها
ضربه بقدمه لآخر مرة عندما استمع إلى الدق فوق الباب الذي كان أغلقه عاصم تقدم مرة أخرى ليفتحه فدلفت عناصر الشرطة متناثرة في كل مكان وتقدم اثنان منهم يقبضون على طاهر الملقى أرضا لا حيلة له
تحدث الضابط بعملية شديدة
مقبوض عليك پتهمة قتل زهران العامري غير التهم التانية أظنك عارفها كويس
أشار إلى عناصر الشرطة
خدوه
ثم أبعد نظره إلى جبل قائلا بمواساة
البقاء لله يا جبل
أجابه شاعرا بالحزن يتخلل داخله
ونعم بالله
ذهب جبل و عاصم مع عناصر الشرطة كان من السهل عليه قتلة بمنتهى السهولة ولم يكن سيحاسب على قټله ولكن في حالة القټل راحة وهو لا يريد له الراحة بل يريده أن يتعذب كما عذب والده يريده أن يتجرع كؤوس المر والحزن يريده أن يتمنى المۏت ولا يحصل عليه
بعد أن أشرقت الشمس عاد جبل القصر مرة أخرى ملابسه مليئة بالأتربة وجهه وملامحه تحمل حزن ومأسي العالم أجمع جسده متهدل منحني إلى الأسفل ليس ذلك الجبل الشامخ طيلة الوقت هناك تغيير كبير حدث في حياته فقط في بضع ساعات جعله من شخصا صلب حاد لا ينهزم بالصعاب إلى آخر لين يسهل حزنه وكسره
دلف إلى الداخل وقارب على الصعود إلى الأعلى لينال بعض من الراحة بين أحضانها لينال بعض من الهدوء بين طيات قلبها النقي يبكي ويفرغ ما داخله دون خوف دون أن يرى أن كسرته أمامها ككسرته أمام الجميع
لم يستطع الصعود إلى الأعلى عندما وجد والدته تناديه بصوت حاد قاسې لم تنم بعد منذ ليلة الأمس تنتظر عودته من الخارج ليجلس أمامها كطفل صغير يخطئ ويخفي خطأه عنها والآن حان وقت المحاسبة ومراجعة كل ما فعله في الأيام المنصرمة دون علمها واللجوء إليها وأخذ حديثها بعين الاعتبار
عاد زافرا الهواء من رئتيه بضيق شديد فلا يستطيع التحمل أكثر من ذلك يكفي ما تحمله إلى الآن يود الجلوس ليفرغ ما بداخله ثم يستقبل صدمات أخرى وأفعال غير الذي قابلها
أشارت له بالولوج إلى الغرفة ففعل ليجلس على الأريكة أتت لتجلس أمامه متحدثة بجدية
أنا عايزة أفهم كل حاجه حصلت يا جبل من البداية لحد دلوقتي
أومأ إليها برأسه موافقا على حديثها الآن أتى الوقت المناسب للبوح بكل سر أخفاه عنها حرك رأسه مفكرا قليلا تحت أنظارها يبدو أنه لن يبوح عن كل الأسرار لا يجوز أن يفعل هذا إن كان هناك حزن مرة سابقة فلما سيكون هناك حزن للمرة الثانية على نفس السبب!
تحدث متنهدا بعمق
أنا مكنتش بكمل مسيرة أبويا المشرفة في تجارة السلاح
قطبت جبينها باستغراب تتابعه بعينيها قائلة مستفهمة
يعني ايه
تنهد مرة أخرى يخرج ما بجوفه بجمود يلقي عليها الحديث بطريقة باردة وكأنها لا يشيء
أنا كنت شغال مع الحكومة بساعدهم في القبض على تجار السلاح
ولكن أثر الكلمات عليها كانت صاعقة لم تتحملها وهي تناظره بحدة وذهول تام تسأله
أنت بتقول ايه يا جبل
أومأ إليها يؤكد على حديثه مكملا بجدية
اللي سمعتيه أنا مش تاجر سلاح ده اللي انتوا تعرفوه والجزيرة والكل لكن الحقيقة هي أن أنا شغال مع الحكومة
حرك يديه بارهاق يشير إليها موضحا ما حدث في الأيام الماضية
مكنش حد يعرف غير عاصم وبعدين زينة سمعتنا تمارا وبعد ما خرجت من الجزيرة قالت لطاهر ولو هو متأخرش في
أنه يوديني ورا الشمس مكنش زماني هنا دلوقتي
سألته بعينان متسعة عليه ترى كذبه وخبثه عليها
كل ده كنت بتكدب عليا
نظر إليها بجدية وعمق ثم سألها وهو يتقدم للأمام منها
فرحانه ولا زعلانه بالكدبة
لم تجيبه وبقيت تنظر إليه باستغراب أليس من المفترض أنه أكمل مسيرة والده كي يأتي بحقه أليس من المفترض أنه يثأر لوالده الذي قتل على يد الشرطة منذ سنوات وشقيقه الذي ذهب غدرا وحرمت منه وهو في ربيع شبابه
كان يعلم ما الذي تفكر به وهو تناظره بهذه الطريقة القاسېة فتحدث ساخرا مبتسما بارهاق شديد
مبتردش ليه كنتي فخوره بابنك تاجر السلاح ومستنية مصيره يبقى زي أخوه وأبوه
أجابته بقسۏة وعڼف تنظر إليه بحدة خالصة
أبوك اللي الحكومة قټلته وأخوك اللي اتاخد غدر
انفعل وهو يقترب للأمام أكثر بجسده يبغض ما تتحدث عنه ويبغض الخروج عن القانون يبغض ما فعله والده وشقيقه وتلك السمعة التي تركوها له من بعد رحيلهم يبغض أنه رجل قانون وهم خارجين عنه يبغض أنه تخلى عن حلمه لأجلهم
أبويا اللي قتل نفسه لما مشي في الطريق ده وأخويا مصيره كان لازم يبقى زيه لأنه شجعه وسهل ليه شغله بره وجوا مصر
سخرت منه وهي تعود بذاكرتها للخلف تتذكر شجاره الدائم مع والده وشقيقه تتذكر كم كان يكره ما يفعلونه وذلك اليوم المشؤوم الذي ترك الجزيرة به متخليا عن الجميع لأجل أن يسير في طريق نظيف
أنت راجل القانون اللي مكانش عاجبك حالهم
تابعها وهو يرى سخريتها الممېتة منه ألا يحق له أن يكون رجل ناجح نظيف برئ من كل التهم المنسوبة إليه ألا يحق له أن يكون شاب يسير في دروب الحقيقة والعدل! لقد وقع في طريق الظلام عنوة عنه وعندما أراد الخروج ترك ما يحبه ويبغاه
اديكي قولتي راجل القانون
أشار إلى نفسه بحدة كبيرة يتحدث بقسۏة وغلظة يخرج النيران الحبيسة داخل أعماقه منذ الكثير من السنوات ينتظر أن تعبر عن رضاها عما فعله
لازم تبقي فخورة بيا لازم تحسي إن ابنك مافيش زيه أنا حميت ناس كتير ووقفت مع ناس كتير أنا مستني نظرة رضا منك عن كل اللي عملته
صمتت قليلا تنظر إلى الأرضية تبعد عيناها عنه تتذكر كل شيء مر عليهم منذ سنوات وكأنه حدث بالأمس يمر أمامها شريط سريع لكل شيء ولكن قلبها يقول غير الذي حفظته عن ظهر قلب يقول إنها خسړت اثنان وبفضل الوحيد المتبقي جعل رائحة الراحل معها وأتى بابنته إليها ليفعل كل ما يرضيها أتى بها بالحب والحنان وأصبح والد آخر لها أتى بها إلى جدتها لتشعر بأن ولدها مازال معها وهو في الحقيقة تركها منذ زمن
تنهدت زافره الهواء بهدوء ونظرت إليه بعد أن فكرت في حديثه لدقائق بسيطة ينتظر بها ردها الفاصل لكل ما فعله
وأنا راضية عنك يا جبل مهما عملت صحيح أنت ذكي ومخلتنيش أشك فيك ولا مرة بس كنت حاسه أنك بتعمل حاجه صح
ابتسمت بحب قائلة وهي تقترب تضع يدها تربت على فخذه
ربنا يرضى عليك
ابتسم بارهاق وهو ينظر إليها پضياع لو تعلم أن والده كان على قيد الحياة منذ سبع سنوات واليوم حتى لقى حتفه على يد طاهر لو تعلم أنه هو الذي طلب منه إخفاء هذه الحقيقة لو تعلم أن الجالس أمامها ېموت قهرا روحه ټنزف ألما وقلبه يبكي بدلا من عينيه الظاهرة للجميع دماء
تنهد بعمق محاولا الثبات أكثر تركها وصعد إلى الأعلى غير مصدقا أنه وصل إلى باب الغرفة فتح الباب وولج إلى الداخل لينظر إليها نائمة على الفراش يبدو أنها تغط بنوم عميق فالصباح أشرق منذ القليل
تنهد للمرة التي لا يعلم عددها وهو يشعر بالعجز دالفا إلي الداخل يجلس على الفراش يعطيها ظهره
وجد من يحيطه من الخلف فاستدار ينظر إليها ليجدها جلست على الفراش تغمره لا يدرى متى استيقظت فسألها باستغراب
كنتي نايمة
حاوطته بيدها وغمرته بقلبها تجيبه بهدوء تحاول أن تزيل النعاس
لأ أنا صاحية لحد من شوية بس غفلت كلمتك كتير أوي موبايلك كان مقفول
تابعت مظهره الغير مهندم وملابسه المتسخة غير مظهره الذي لا يوحي بالخير فتفوهت مستفسرة
عملت ايه مال شكلك والأمان تجعله يشعر بأنها جواره في كل الأحوال تنتظر
الحديث لتستطيع أن تخفف عنه وتواسيه وهو هكذا فقط تربت على أحزانه ونظراته المنكسرة لا شيء غير ذلك فقط تنظر إلى ما يصدر