الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 59 من 80 صفحات

موقع أيام نيوز

 


له ليبدأ بالتصويب وهو يخبره
ماتقلقش.
فشل ممدوح في الإطاحة بأي واحدة من العلب فالتصقت بسمة ساخرة بثغر رفيقه الذي استعاد منه سلاحھ ليصوب الفوهة تجاه أول علبة أسقطها بطلقة واحدة وفعل المثل مع البقية ليشعر الأول بالحنق من انتصاره عليه. تحولت أنظارهما تجاه الخادمة الأجنبية عندما جاءت لتقول في لهجتها الرسمية الجادة

سيدي لقد جاءت ضيفتك هل أحضرها هنا
في التو أجابها بصوته الصارم
لا اجعليها تنتظر في غرفة مكتبي.
اعترى الفضول نفس ممدوح وتساءل بتطفل وقح
مين دي يا بوب صيدة جديدة
تجاهل الرد عليه وخاطبه في تهكم بعدما رمقه بهذه النظرة الحادة
روح لمراتك لأحسن تقلق إنك اتأخرت عليها!
استفزته طريقته وهمهم باسما فقط حفظا لماء وجهه المراق
هي الحكاية بقت كده ماشي يا صاحبي.
لوح مهاب بعدها بيده كأنما يودعه فغادر في عجالة محدثا نفسه بعزم
بيتهيألي جه الوقت اللي أخلص فيه من تهاني.
.................................................
بحماس متقد وعلى وجه السرعة استقل وسائل المواصلات العامة المختلفة ليصل إلى بلدة والدته من أجل زيارتها ونقل النبأ السار إليها وضع عوض مسألة القطيعة والخلافات جانبا وأصر هذه المرة على عدم تقبل رفضها للقائه فإذ ربما يرق قلبها وتلين مشاعرها المتحجرة حينما تعلم بأمر الحفيد المنتظر. انتظر كعادته عند بابها المغلق طرقه عدة مرات وهو يناديها راجيا من الخارج
يامه! عاوزك في حاجة مهمة ومش همشي قبل ما تعرفيها.
أتى ردها متحفزا ضده مثل العادة
قولتلك غور من هنا وانسى إن ليك أم.
أصر عليها بتصميم معاند لرغبتها
والله المرادي أنا جاي في حاجة مهمة هتفرحك اسمعيني بس الأول.
هتفت عاليا في سخط
وأنا من إمتى بفرح واللي بتعمله مزعلني وقاهر قلبي
لم يجد بدا من إخبارها هكذا من موضع وقوفه رغم تمنيه لرؤية تعابير وجهها وهو يلقي بالخبر على مسامعها
يامه ربنا هيعوضنا خير وهيرزقنا بعيل.
حينها فقط سمع وقع خطوات قدمي والدته وهما تتحركان لتدنو من الباب أتاه أيضاصوتها المتسائل في ذهول قبل أن تفتحه
بتقول إيه
انتشى داخله لتخليها عن عنادها المحطم لنفسيته وتحمس للغاية للالتقاء بها فتحت الباب فانتفض قلبه ورفرف بين ضلوعه تأمل وجهها العابس بنظرات فرحة وفي غاية السعادة فما أجمل الظفر بلمحة من الأحب والأغلى إلى الفؤاد. سألته أمه في تحفز غريب
إنت بتتكلم جد
انحنى على يدها بعدما أمسك بها يقبلها وقال مبتسما بشدة
أيوه يامه ربنا كرمه واسع وفردوس حامل.
أشارت له بيده الأخرى ليتبعها وهي تأمره
تعالى جوا.
سار خلفها مسرورا ليستطرد في نشوة عارمة
كنت عارف إن قلبك هيحن لما تعرفي عمر إحساسي ما خيب أبدا.
جلس على المصطبة الخشبية مجاورا لها شملها بنظرات متشوقة لمثل هذا القرب الدافئ وسألها في حماس ممزوج بالبهجة
فرحانة يامه
لم تعطه أي رد ومع ذلك ارتضى بالقليل الذي منحته له تابع الحديث في استرسال
إن شاءالله اللي جاي هيكون في غلاوة بدري ويعوضنا عن فراقه.
ظلت تنظر إليه في صمت فاستمر يضيف بقدر من الرجاء الشديد
أنا مش عاوزك تفضلي زعلانة مني يامه ومقطعاني إنتي بركة حياتي.
طالعته بنظرة غامضة لتقول بعدها في هدوء مريب 
ماشي يا عوض.
لم يشك للحظة واحدة في نواياها السيئة تجاه زوجته بل على العكس كان في قمة الرضا معتقدا بتبدد ما كان قائما بينهما من خلافات وخصام.
.......................................
منذ أن عاد من الخارج وهو في حالة غير الحالة التي كان عليها صباح اليوم ظل ممدوح واجما متصلبا يتصيد الأخطاء لها وكأنه يمهد السبيل للتخلي عنها. أحست تهاني بنفسها تهوي من أعالي السماء لتنسحق وهي تلامس الأرض القاسېة عندما عنفها بتأنيب على ما حدث
إنتي قاصدة تقللي مني قصاده
نظرت إليه بذهول مرتاع لا تعرف ما الذي أصابه لتتبدل أحواله لهذا الشكل المخيف انقبض صدرها بقوة وهو يسألها في نبرة مليئة بالاتهام
لسه بتفكري فيه بعد كل اللي حصل!!!
ظلت عيناها مندهشة لا تقوى على الرمش وهو يخاطبها بحدة
ما أنا الاستبن اللي مركون على الرف.
نفت اتهاماته المزعومة بتأكيدها المذعور
أبدا والله بس إنت بنفسك شايف بيعلم أوس إيه!
استخف بما قالت ولوى ثغره معلقا في نفور
كل حاجة أوس هي دي الحجة المناسبة عشان تفضلي جمبه وأنا زي المغفل مصدقك.
هتفت من فورها نافية شكوكه المرعبة لها
اقسم بالله أنا مابطقوش إزاي تظن كده
أحست بعاصفة من الخۏف تجتاحها وهو يخبرها بلهجة غريبة لم ترحها مطلقا
تهاني الوضع ده مابقاش عاجبني أنا مش حاسس إني مستقل بحياتي دايما مهاب محشور فيها.
هربت الډماء من وجهها وراحت أطرافها ترتجف بقوة عندما أضاف عن عمد قاصدا إفساد علاقتهما
وطبعا عشان خاطر ابنك إنتي مضطرية تقدمي تنازلات ومش مهم جوزك.
لحظتها أحست تهاني أن حياتها على وشك الاڼهيار وأنها باتت قاب قوسين أو أدنى من التخريب لهذا هتفت بوجل وهي تتعلق بذراعيه
لأ متقولش كده يا ممدوح! أنا استحالة أتصرف بالشكل ده معاك إنت حبيبي أنا عرفت طعم الحب واتعلمته على إيديك.
أبعد قبضتيها عنه ليقول بجمود أرعبها تماما
بيتهيألي احنا محتاجين نبعد فترة عن بعض لحد ما نشوف هنقرر إيه.
لحظتها شعرت وكأن قلبها ينسحق بين الرحايا فصړخت في توسل
لأ يا ممدوح ماتعملش فيا كده.
تركها ومضى وهو يعلم تمام العلم أن قربه منها صار عصيا عليها وما هي إلا بضعة صدامات أخرى قاسمة ليقضي على ارتباطهما كليا ومن جذوره!
............................................
أشرق وجهه وسر داخله وهو يحمل في يده بعناية واضحة ملفوف طيب المذاق أعدته والدته خصيصا لأجل زوجته في وعاء مستقل كنوع من المبادرة للتصالح بينهما لم ينس طوال الطريق توصياتها بتناوله كاملا وإلا لڠضبت منه لعصيانه أمرها خاصة أنها هديتها الغالية إليها وبذلت فيها الطاقة والجهد لإسعادها لهذا وعدها بتحقيق مطلبها دون أن يشك أبدا في نواياها. عاد إلى البيت فاستقبلته زوجته باهتمام يخالطه الفضول فقد رغبت في معرفة تبعات هذه الزيارة وكانت المفاجأة بترحيب أمه لعودة العلاقات الودية
ونسيان أحزان الماضي وما زاد من اندهاشها هو تجهيزها بنفسها لهذا الطعام المرهق في تحضيره اشتمت رائحته الشهية وعلقت مبتسمة
مكانش ليه لازمة تتعب نفسها!
أكد لها بحسن نية
أمي لما بتحب حد بتعمله محشي ومحلفاني تاكلي منه أول واحدة بس أنا مقدرش مادوقش معاكي.
هزت رأسها موافقة وقالت
خلاص هرص الأطباق وناكله سوا
رد عليها وهو يشير بيده نحو الحمام
عقبال ما أكون غسلت إيدي وشي من الطريق.
خاطبته من موضعها وهي تقرب الوعاء من أنفها لتستنشق مجددا رائحته الشهية
أنا حطالك فوطة نضيفة.
أثنى على اهتمامها به قائلا
كتر خيرك.
بغير عجالة أحضرت الأطباق والمعالق ووزعتها بينهما ثم راحت تفرغ قدرا من الملفوف في صحنيهما بعدما رصت الطعام الذي أعدته سابقا ليكون بجانب هدية حماتها. استطردت تهاني محدثة نفسها بتحير
مش بعوايدها تعاملني كده!
تنهدت مليا وتابعت
سبحانه مغير القلوب.
أمسكت فردوس بأول قطعة من الملفوف تذوقتها على مهل ثم تكلمت وفمها مملوء بالبقايا
الله! طعمه جميل!
ابتلعتها كاملة وراحت تحادث نفسها مبتسمة قليلا
هي من زمان نفسها حلو في الأكل.
رغما عنها تنشطت ذاكرتها بمشاهد قديمة جمعتها مع بكري وهي تسعى آنذاك لفعل كل شيء لنيل استحسان أمه لتظهر في عينيها بمظهر الزوجة المطيعة الدؤوبة والحريصة على ما يسعد زوجها ويرضيه وفي الأخير كان جزائها الإقصاء والمهانة والتحقير. نفضت ما يؤلمها من ذكريات وشددت على نفسها
مالوش لازمة نحكي في الماضي اللي راح راح خلاص!
أحست بتأنيب الضمير لاستحضارها مثل هذه الأحداث المؤسفة في عقلها وأخبرت نفسها
انسي يا فردوس عشان تعرفي تعيشي!
مرة ثانية تناول قطعة أخرى والتهمتها بنهم لينضم إليها زوجها لاحقا مستطردا بالكلام وهو يشمر كميه متهيئا لتناول وجبته بشهية
إنتي كلته على طول طب استنيني!
ضحكت في مرح وأخبرته وهي تضع في جوفها قطعة ثالثة
بصراحة مقدرتش أصل ريحته تفتح النفس!
شاركها الضحك وعلق
إنتي هتقوليلي ده احنا زمان كنا پنتخانق على مين ياخد أكتر.
توقفت فردوس فجأة عن مضغ ما في جوفها عندما شعرت بهذه الوخزة المباغتة والحادة ټضرب معدتها تجاهلتها في البداية وابتلعت البقايا لتشعر بعد لحظة بوخزة أخرى أقوى في حدتها تأوهت بصوت خفيض وعبس كامل وجهها وامتقع. سألها عوض مستغربا ما أصابها
مالك في إيه
وضعت يدها على بطنها وأجابته بملامح مكفهرة
في نغصة كده في جانبي!
عاتبها في صوت هادئ متوهما أن ما أصابها من إعياء جراء إرهاق نفسها بأعباء المنزل
مش أنا موصيكي ماتعمليش حاجة
أوضحت له بصوت متقطع
والله أنا طول اليوم نايمة بس آ...
عجزت عن إتمام جملتها لشعورها بدفعة متدفقة من الوخزات الممېتة انفلتت منها شهقة عالية أفزعته
آآآآآه.
في التو انتفض زوجها ووقف بجوارها متسائلا في توجس مرتاع
مالك يا فردوس
انحنت للأمام واضعة قبضتيها على بطنها صړخت مجددا وهي تشكو إليه عظم الألم الذي يجتاحها 
بطني بتتقطع مش قادرة.
انتابه المزيد من الخۏف وهو يتلفت حوله متسائلا بتخبط
يا ساتر يا رب طب قوليلي أعمل إيه
عجزت عن الوقوف كليا فاڼهارت جاثية على ركبتيها وهي تستغيث به في أنفاس مضطربة وقد راح جسدها يرتعش ويتصبب عرقا باردا
الحقني ھموت !!!!
يتبع الفصل التاسع والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
كتب عليها الفراق
أزاحت برقة طرف الستارة البيضاء المنسدلة على زجاج الشرفة لتتأمل الحديقة المورقة أمامها لفت أنظارها ذلك الصغير الذي كان يركض بتعجل في الأنحاء وعلى وجهه تكشيرة عظيمة تعلقت عيناها به إلى أن اختفى عن مدى بصرها أصاب بدنها نفضة صغيرة عندما سمعت صوتا مألوفا يأتي من خلفها ليخاطبها بترحيب حار
شرفتي بيتي المتواضع يا ناريمان هانم ولو إني زعلان إن شوقي بيه مجاش بنفسه.
استدارت لتنظر إليه وخاطبته في لطافة مماثلة لها
كلك ذوق هو بابي مشغول وإلا مكانش بعتني!
ابتسم في تهذيب وعلق بتغزل عفيف وهو يدنو من موضع وقوفها
ده عشان حظي الحلو.
تجاوزت عن تلميحه المتواري معتبرة إياه مجرد إطراء تقليدي وسألته في قدر من الاهتمام بعدما تحركت مبتعدة لتجلس على الأريكة الجلدية
إنت ناوي تستقر هنا خلاص
لم يعطها ردا قاطعا حينما أجابها وهو يجلس مجاورا لها
على حسب الوضع والظروف.
استرعى ذلك فضولها فانتقلت لسؤالها التالي
وأملاك العيلة
جاء رده بسيطا ومباشرا
سامي هيتولى المسئولية وأنا واثق إنه هينجح.
مطت فمها للحظة ثم أخبرته بهدوء وهذه النظرة المتشككة تطل من عينيها
مع إن في كلام تاني كنت سمعاه بيقول العكس.
تغاضى عن التورية الخفية في كلامها عن وجود خلافات سابقة بين الشقيقين ورد بدبلوماسية جيدة
الناس مابتبطلش كلام المهم الأفعال في النهاية.
أعجبها رده الاحترافي ووافقته قائلة
معاك حق.
في نعومة ظاهرة على تصرفاتها فراح مهاب يميل ناحيتها بعدما أخرج ولاعته من سترته ليشعلها لها. أخذت ناريمان نفسا سريعا وحررته مثلما استنشقته لتسأله
صحيح ده ابنك اللي شوفته في الجنينة
لاحت ابتسامة لبقة على محياه وهو يرد
أيوه أوس.
رفعت حاجبها للأعلى وتابعت
فيه شبه منك.
صحح لها بتفاخر
هو واخد أكتر من الباشا فؤاد الله يرحمه.
المصنوعة من الكريستال. تساءل بعدها مهاب في نبرة مهتمة
تحبي تشربي إيه عقبال ما الغدا يجهز
أعادت وضع علبة السچائر بداخل حقيبتها ثم نهضت من موضعها هاتفة في اعتذار منمق
ميرسي مش عاوزة أنا
 

 

58  59  60 

انت في الصفحة 59 من 80 صفحات