رواية قلبي وعيناك والايام بقلم رحاب ابراهيم
مرحب بالأمراض من كل حدب وصوب ! ثم أضافت بأكثر جدية _ التشوه النفسي ... أصعب نوع من الأمراض النفسية قابلني... التشوه النفسي بيولد شبح مظلم جوا الانسان...بيخليه مش شايف الأمل...الحياة...الخير... تركيبة كده من كل أضطراب.... بنوا انسان شايف أنه ما يستاهلش أي شيء.... تخيل أن انسان يستخسر في نفسه أنه يفرح! تخيل انسان في أمس الأحتياج للدعم ..وميقدرش يطلبه غير بصعوبة جدا ومش لأي حد كمان أنا اديت ورد ورقة وقولتلها ارسمي الکابوس اللي بتشوفيه وارسمي النهاية اللي شيفاها هتريحك للكابوس ده..... تساءل أحمد باهتمام بالغ _ ورسمت إيه نظرت مروة لدفترها مرة أخرى وصمتت بشرود ... بعدما حملها إلى أحد غرف المشفى تحت أنظار الجميع ...وضعها على فراش بالغرفة برفق...وهي تغمض عينيها بتقلصات تظهر على ملامحها ودموع تأبى التوقف!! أتى خلفه عدد من الممرضات فأمرهم بأتخاذ الإجراءات الطبية السريعة لتلك الحالة من الإغماء..... وقف ثابتا يراقب ملامحها المعذبة حتى في تيهتها هذه ...! أخبرته أنها انفصلت عن زوجها.... وأخبرته أن ينساها ويتركها لحال سبيلها !! هل لتلك الدرجة تتعذب بذلك الأنفصال ! هل أحبته لتلك الدرجة ! لن ينساها ...يعرف ذلك ....كانت محاولات النسيان في بعدها ارحم بكثير من الآن ... ولكن لابد أن يبتعد .... فقد أختارت الفراق مرتين ...! خرج من الغرفة بخطوات واسعة ...حتى قابلته الممرضى منى وهي تحمل الصغيرة ريميه والصغيرة تبك بشدة من فقدانها لأمها.... وقف ينظر لها حتى قالت الممرضة له _ أنا أسفة يا دكتور ...بس هي رفضت أجيبلها أي أكل من هنا وطلعت تجيب أكل من برا ....لسه عارفة دلوقتي أن حضرتك رجعتها .... كانت نظرة وجيه على وجه الطفلة فقال _ روحي شوفيها ...وهاتي البنت دي لحد ما تبطل عياط .... أعطته الطفلة وذهبت لغرفة ليلى .... في مكتبه ..... وضع الصغيرة على المكتب بينما هي كانت تمسح عينيها بقبضتها الرقيقة من الدموع ...قال لها بصوت خاڤت _ بطلي عياط...ماما بخير....جاية دلوقتي.. هدأت الطفلة ببطء ثم قالت بصوت متهدج _ عايزة ماما ... نظر لها وجيه بتنهيدة ... هو يريد نفس الأمر. للأسف....دلفت أحدى الممرضات للمكتب وقالت لوجيه _ د. حسن صالح ... دكتور العناية وصل يا دكتور ... ارتعشت الصغيرة پذعر ومدت يدها لتتمسك بشيء حتى لمست طرف معطف وجيه وارتمت على صدره بهلع. ...تفاجئ وجيه مما فعلته حقا...ربت على رأسها بحنان وقال بحيرة _ مالك يا ريميه ! بكت الصغيرة وهي ټدفن وجهها بصدر وجيه وكأنها ترى شبحا....ولكن إن لم تكن ترى بالأساس فأي شيء جعلها تنتفض هكذا بشكل مفاجئ ! تعجبت الممرضة مما فعلته الصغيرة لدرجة أنها شكت بنفسها أنها أخافتها بدخولها السريع للمكتب...فقالت معتذرة _ أسفة يا دكتور مش قصدي والله ... هز وجيه رأسه بتفهم حتى غادرت الممرضة وأغلقت الباب خلفها ....ترك الصغيرة تلتمس منه الحماية ثم ربت على رأسها بحنان أبوي وقال بتأكيد _ مټخافيش ...أنا هنا.... تأكد لدى الصغيرة ظنها البريء أنه البطل الخارق ....بطل حكايات قبل النوم....فوضعت يدها الصغيرة المرتعشة على يده وقالت برجاء وحروف متقطعة _ ما...تمشيش... سكن وجهها الصغير بين راحتي يده وقال بحنان _ إيه اللي مخوفك كده ...! ارتخت جفون الطفلة في بكاء وكأنها تكتم أمرا خطېر ...وعاد لجسدها الارتجاف ....قال متراجعا عن سؤاله بعدما شاهد خۏفها _ خلاص ...مش لازم تتكلمي...خليكي هنا في مكتبي وأنا هجيلك تاني بعد الظهر.....وماما هتصحي بعد شوية وهتشوفيها .... أنت جعانة ابتلعت الطفلة ريقها عدة مرات وصمتت ولم تفصح عن أمر معدتها التي تضور جوعا...فهم وجيه صمتها فأجرى اتصال هاتفي على المطبخ الخاص بالمشفى وطلب عدة أنواع من الأطعمة.... بعد قليل.... أتى الطعام لمكتبه ...ورغم حيز الالم الذي أخذ مجال بعينيه ولكنه لم يصبه على ضعف تلك الطفلة ....بل كأنها صغيرته وأحب كثيرا أن يطعمها بيديه ....ابتسم عندما ارجعت الصغيرة خصلات شعرها للخلف وقالت له لينتظرها _ استنى...هلم شعري... تذكرها....تلك الصغيرة بها دقة تفاصيل متطابقة من أمها....حتى رجفتها وهلع عينيها ...ذاته ...! وبعدما شعرت بالأكتفاء من الطعام وضعها بالفراش والقى عليها الأغطية. برفق... ثم وصى عليها أحدى الممرضات لترعاها حتى تستفيق أمها..... وعاد لمنزله....ليلة واحدة قلبت حياته رأسا على عقب ...! وعند الساعة الثامنة صباحا حول مائدة الافطار..... تجمعت العائلة مثل العادة ....بينما رأس العائلة وجيه يجلس شاردا تماما وعينيه مليئة بالحزن .... تنحنح والده لكي يلاحظ فتنهد وجيه وهو يرفع فنجان القهوة لشفتيه ..... وأصطف الشباب بخط مستقيم بأحد زوايا المائدة ...قال وجيه بجدية اكثر من اللازم _ انتوا الأربعة هتكونوا من ضمن القافلة اللي أخدنا تصاريحها ...ومافيش نقاش في الموضوع ده .. نهض من مقعده وتوجه إلى غرفته بالطابق العلوي بينما تسمر الشباب الأربعة في أماكنهم ...وابتسم الجد في مرح ...قال جاسر باعتراض وغيظ _ يعني إيه ! طب أزاي مافيش نقاش ! المفروض لينا حرية الاختيار في الموضوع ده ! وضع رعد كوب المشروب الدافئ بضيق وقال _ طب أنا دكتور نفسي...لزمتي إيه بقى في القافلة دي ! رد الجد رشدي بضحكة ليغيظه _ نفسية الفراخ تعبانة ومعذبة من بعد أزمة الفونزا الطيور....محتاجة وجودك جنبها... تابع يوسف طعامه وقال بلا اكتراث _ بالنسبالي عادي....كام يوم وهنرجع عادي يعني ! رفض آسر القرار وهتف _ المفروض يا جدي أني هخطب ....كنت مستني والدها لما يرجع من السفر ...وهيرجع بعد أسبوعين ...طب هقابله أزاي بقى والمفروض القافلة هتجهز للسفر على الأسبوع الجاي ! نظر له الجد رشدي لبرهة ثم قال _ البنت دي لا شبهك ولا هتنفعك ولا أنا موافق عليها....بنت مايعة كده ومش حمل مسؤولية ولا جواز ... نهض جاسر من مقعده بعصبية وقال _ يا جدي أنت لا عجبك الجد ولا المايعة برضو عجباك !! وعايز تجوزنا ڠصب عننا زي ما عملت في أهالينا بالضبط ... حتى في قرارات تخصنا بتفرض علينا رأيك ! وللأسف عمي بقا يعمل زيك كده بالضبط !! أنا أسف يا جدي مش هقدر أسافر ...ورايا شغلي وحياتي كلها هنا ....أنا مش صغير عشان ...... توقف جاسر عندما وجد الجد يديه على رأسه وعينيه تتوه ببطء ....هرع الشباب إليه بقلق حتى قال الجد _ ابعدوا عني....نادولي ابني وجيه ... يا وجيه ... في غرفة الجد رشدي .... تنهد وجيه بضيق وهو يرى والده يسعل بشدة على فراشه...بينما الشباب يقفون ناظرين إليه في تأكيد أن هذه المسرحية المتكررة تلك ولكن ما بيدهم شيء يفعلونه.....قال وجيه لهم بأنفعال وعصبية زائدة _ عايز أعرف دلوقتي مين اللي رافض يسافر ! لم يجيب أحدا من الشباب رغم العبوس والضيق الظاهر على ملامحهم
.... طالت نظرة وجيه عليهم حتى قال جاسر بضيق شديد _ أنا هسافر يا عمي .... بس لأول مرة بعترف أني مش راضي عن قرارك وإجبارك لينا...أنت