الإثنين 25 نوفمبر 2024

دوائي الضرير

انت في الصفحة 19 من 123 صفحات

موقع أيام نيوز

رده ولا اعتذاره.. تركته و خرجت.. تركته لعقله الذي أخذ يؤنبه مع ضميره على معاملته الجافة بل و القاسېة لها.. ظل يعاند ضميره ام يا ترى هو قلبه الذي ظل يأمره بالخروج إليها و الاعتذار منها و مراضاتها بأي طريقة.. فهي إنسانة رقيقة بحق ولا تستحق منه تلك المعاملة أبدا..
و الفصل العاشر...
تركت هنية عاصم في حيرة من أمره.. فلم يعد يعرف نفسه بعد الأن معها.. فكل أفكاره تذهب مع عقله إلى مكان مجهول حينما يتعلق الموضوع بها..
لا يشك بها مطلقا و لكن عقله أصبح يتصرف بغرابة مطلقة معها...
ظل يفكر و يفكر على أمل أن يهتدي عقله و قلبه إلى بر من ذلك البحر الذي يغرق فيه...
أما سارة..
فقد توجهت لمقصورتها و ظلت بها... كانت تشعر بالضيق الشديد من موقف عاصم... اكتفت هي من اختلاق الأعذار له..
تعلم أنها شقيقته الوحيدة التي يحبها بل يعشقها.. و لكنه يعيق عملها.. يعيق تقدمها في علاج هدى.. حبه الشديد لها سوف يكون بمثابة العائق الوحيد لتقدمها..
تعلق هدى به أيضا هو ما يعيقها و يمنعها من تقبل فكرة العلاج الفيزيائي الذي سوف يؤهلها لأن تعود و تقف على ساقيها مرة أخرى..
ناهيك عن ثقته بها التي تتأرجح بين انه يثق بها و بعقلها و بقرارتها و بين هل يثق بها من الأصل ام لا..
على الرغم من خبرتها التي لا بأس بها في مجال علم النفس.. إلا أن شخصية عاصم تحديدا تثير حيرتها بشكل مبالغ فيه..
فهو احيانا شخص لطيف مرح ضحوك و حلو الصحبة.. لا يمل من صحبته.. حتى أن سارة نفسها تحب حديثها معه الذي غالبا ما يكون حديث متحضرا مثقفا يظهره كشخص مثقف متفتح..
و لكن حاله ينقلب في أقل من دقيقة و يتحول فجأة لذلك الھمجي الذي لا يعرف كيف يتعامل مع البشر بشكل طبيعي و بلا سبب مقنع..
ظلت تفكر في طريقة أخرى حتى تكسب ثقة عاصم كطبيبة و تجعل من حبه لشقيقته عامل مساعد بل و محفذ لشفاء هدى و تناست مشاعرها تجاهه و حاولت أن تفكر فيه كشخصية غريبة استفزت طبيبة.
قاطع تفكيرها و شرودها طرقات خفيفة على بابها.. هتفت من مقعدها و هي تقول..
سارة ادخلي يا فاطمة.. الباب مفتوح.
عاصم أنا.. انا مش فاطمة يا سارة.. أنا عاصم.
تنهدت بتعب و شبه يأس منه ثم أطلقت زفيرا حادا حتى تهدئ أعصابها.. فهي تحتاج أن تكسبه لصفها حتى يساعدها في مهمتها قبل ان تكسبه كحبيب حسب المشاعر التي تشعر بها منه... رغم تقلباته تلك.. قامت و اتجهت للباب لتفتحه و هي تقول بطريقة رسمية..
سارة اتفضل يا استاذ عاصم.
عاصمتعجب و لكنه يعلم أنها غاضبة منه و هي على حق من امتى بتقوليلي استاذ دي.. مش كنا اتفقنا أننا أصحاب و أننا نشيل الرسميات دي..
سارة دة لما كنت فاكرة أننا أصحاب فعلا و أن في بينا حتة ثقة حتى لو كانت صغيرة جدا.. لكن طبعا من الواضح أن مافيش اي ثقة فيا خالص.
عاصم ليه بتقولي كدة يا سارة.. انا بثق فيكي طبعا.. انا بس كل الحكاية اني..
سارةمقاطعة كل الحكاية انك مش بتثق فيا.. و تقريبا بقيت پتخاف على اختك مني.. مالهاش تفسير تاني صدقني.. صح.
عاصمو صعد أول درجة من درجات تلك المقصورة و اصبح يفصل بينهما درجة واحدة

فقط لا مش صح.. مش صح ابدا يا سارة.. بس انا لما عرفت بجواز الزفت دة و من اعز صحابها كمان ماكنتش عايزها هي تعرف.. كنت عارف ان خبر زي دة هايكسرها و يوجعها.. 
كنت خاېف عليها يا سارة من إن قلبها ينكسر مرة تانية.. كسرة القلب وحشة.. وحشة اوي يا سارة...
و هو كسر قلبها مرة و لسة ۏجعاها لحد دلوقتي و مش عايزه يوجعها تاني..
إذا كنت انا اتصدنت لما عرفت و ضايقت و اتوجعت من الخبر اومال هي لو عرفت بالخير دة هايعمل فيها ايه..
صمتت سارة احتراما لمشاعره بينما كان هو يتأملها بتفحص.. لأول مرة يكون أمامها بهذا القرب.. تجولت انظاره حول وجهها بحرية و رسمت عيناه ملامحها بتمهل.. 
عيناها السوداء و رموشها الكثيفة.. 
حاجبيها اللذان يكملان تلك الرسمة الهندسية الخاطفة..
أنفها المدقوق بحرفية ربانية رائعة..
جبهتها العريضة البيضاء و تلك الغرة السوداء التي تغطيها..
وجنتيها الورديتيان بدون مساحيق تجميل ..
المكتنزة التي يريد أن ينفرد بهما بعيدا عن العالم بأسره..
مهلا.. فيما يفكر.. ايحلم بها.. بعينيها ايعقل
أفاقته هي من شروده و صمته الذي طال و قالت...
سارة استاذ عاصم.. انت سكتت ليه
عاد عاصم لوعيه و تنحنح حتى يخرج نفسه من نوبة الحب التي داهمته و أجابها...
عاصم احمم... لا مافيش حاجة.
سارة طيب في حاجة معينة تاني انت عايزها يا استاذ عاصم
عاصم برضه استاذ! تبقي لسة زعلانة مني.
سارة لا مش زعلانة..
عاصمابتسم بحب لا زعلانة..
سارةو تعمدت أن تجعل ملامحها غاضبة طيب زعلانة.. اتفضل بقى و سيبني ازعل براحتي.
عاصمبضحكة رجولية جذابة ههههههههه... لا و ڠضبانة كمان
سارةعقد ذراعيها كالاطفال ايوة.
عاصمأكمل ضحكه و فرحته بها و بشكلها الطفولي حاليا وقال بترجي طيب ممكن الدكتورة سارة تتكرم و تتعطف و تتنازل و تسمحلي اصالحها..
سارةحاولت كبت ابتسامتها و لكنه لاحظها بالطبع احمم... كل دة يهمك زعلي اوي يعني
عاصم اكتر مما تتخيلي.
سارة طيب و انا موافقة اصالحك.. بس بشرط.
عاصمو قد عاد للهجته الصعيدية واه واه واه... و عاتتشرطي كمان...
سارة خلاص بلاش..
همت أن تتركه و تدخل لداخل مقصورتها و لكنه أمسك بيدها سريعا و في تلك اللحظة توقف الزمن.. انتفض قلبه بداخل صدره و هو ېصرخ بنبضات جديدة عليه.. نغمة جديدة عليه و يشعر بها لأول مرة.
اما هي فلأول مرة تشعر بتلك القشعريرة في سائر جسدها.. تشعر بكهرباء لذيذة تسري بجميع خلاياها.. توقفت حركتها بشكل لا إرادي منها لم تقف سوى لأن لمسته جمدت أعصابها بمكانها..
عاصمبنبرة حانية لأول مرة ينطق بها و لأول مرة تسمعها هي منه لا مش بلاش.. قولي و اتشرطي زي ما انتي عايزة يا سارة.
سارةو قد توهجت وجنتاها خجلا و هاتوافق
عاصم انا موافق على أي حاجة انتي عايزاها يا سارة.. بس ترضي عني .
سارةبحرج احم.. طيب ممكن تسيب أيدي.
عاصمتنحنح بحرج أيضا احمم.. اسف معلش ماخدتش بالي اني لسة ماسكها.
سارة طيب خلاص.. حصل خير.
عاصم ها ايه شرطك بقى
سارة و هاتنفذه
عاصم هانفذه.
سارة من غير نقاش و مناقرة
عاصم من غير نقاش ولا مناقرة.
سارة ولا ۏجع قلب.
عاصم سلامتك الف سلامة من ۏجع القلب.
قالها بصدق رهيب وصل لقلبها دون اي عوائق... فقالت هي حتى تنهي ذلك التوتر بينهما ..
سارة طيب.. شريط ان انت تفضي نفسك بكرة طول اليوم و تخرجني انا و هدى نشتري شوية حاجات.
عاصم اخرجكم... اخرجكم فين و تشترو ايه
سارة مش مهم فين اي حتة.. و مش مهم هانشتري ايه.. ممكن نشتري مكياج.. لبس.. شنط.. جزم اي حاجة.. انشالله قرطاسين لب سوري حتى.
عاصم ههههههههه... لب سوري!! جبتيها منين دي عايز افهم 
و بعدين لما المكان مش مهم و حتى اللي هاتشتروه مش مهم.. لازمتها ايه الخروجة
سارة لازمتها أن هدى تخرج برة البيت دة اللي ماخرجتش منه من ساعة ما رجعت من المستشفي غير عشان ترجع للمستشفى تاني او تروح للدكتور.. لازمته انها تشوف الدنيا اللي هي حارمة نفسها منها بإرادتها..
لازمتها تشوف و تحس هي حارمة نفسها من ايه.
عاصم و هينفع بكرة.. قصدي يعني بعد خبر النهاردة هاتقدر تخرج منه امتى
سارة من خبرتي المتواضعة اقدر اقول ان هدى مش هاتفضل مصډومة كتير.. بالعكس انا اعتقد هاتلم چروحها بصورة أسرع مما تتصور.. و بكرة تشوف و تقول سارة قالت.
عاصم و انا متأكد من رأيك.. ممكن بقى تيجي تتغدي احسن الست هنية ڠضبانة عليا عشان زعلتك و مش راضية تأكلني الا لما اصالحك.
سارة قول كدة بقى.. يعني انت جاي تصالحني عشان جعان و عشان ماما هنية هي اللي أصرت انك تصالحني عشان ترضى عليك و تأكلك... مش جاي تصالحني من نفسك يعني 
عاصمسريعا لا والله مش قصدي كدة.. بس هي زعلت على زعلك..
سارةو هي تدفعه بعيدا عن الباب طيب اوعي كدة انا هاروح لماما هنية اقولها انك ماصلحتنيش و خليك جعان بقى..
عاصم يا سارة استني بس..
و سار خلفها يحاول أن يقنعها أنه أراد أن يراضيها بنفسه و لكنها أصرت على موقفها و طلبت الحاج عبد الرحمن كحكم بينهما و الذي وقف في صفها بالطبع ضد ابنه كالعادة...
اما هدى...
فظلت تبكي حبها و صديقتها الوحيدة..
تبكي حبها و لم تبكي حبيبها.. فهي علمت عنه جبنه و أنه شخص لا يعتمد عليه.. خائڼ تركها في أشد احتياجها إليه.. و لم يكتفي بذلك بل إنه نساها و رماها من حياته نهائيا و كأنها لم تكن بها أصلا..
أيضا لم تكن تبكي صديقتها بل كانت تبكي سذاجتها في اختيارها لصديقة خائڼة.. لم تلاحظ خلقها و هي توقع بينهما.. كانت تبعدها عنه بحجج ليست حقيقية كانت تقول لها انها تستحق من هو افضل منه.. تستحق من يعطيها وزنها ذهبا.
كانت توسوس في أذنها بأنها جميلة و من عائلة عريقة كبيرة غنية تستحق نفس الحياة و نفس المستوى المادي.. كانت تصر عليها حتى تطلب منه أكثر من طاقته..
لكن هدى كانت عاقلة و لم تسمع لحديثها دائما.. إلا أن خطيبها كان يشعر بما تريده صديقتها مما جعله يشعر بعدم الثقة.. 
و لكن الحاډث و ما مرت به هدى جعله يفكر أكثر في الانفصال... و كأي شخص نذل تصور أن معه الحق في أن يتركها بما انها فقدت ساقيها..
و من ناحية أخرى تذهب له لتقول له أنه يستحق من هي افضل منها.. يستحق من تريحه و ترحمه من طلباتها الكثيرة التي تثقل كاهله.. و بالفعل اقتنع بما تقول.. و تحولت نظرات الحب التي كان ينظرها لهدى بنظرات حقد و ربما كره..
و بعد الحاډث.. تقربت منه أكثر حتى ترك هدى و ارتبط بها...و ها هما قد تزوجا منذ يومين...
و بعد تفكير كبير قررت أن سارة محقة فيما قالت فيكفي ما مر من وقت... يكفي ما فات من عمرك يا هدى... فقد مر حوالي 8 أشهر توقفت فيهم حياتك ...
اما الان فقد قررت أن تتخلص مما هي فيه.. لابد أن تعود هدى.. هدى المرحة النشيطة التي لم يقف أمامها اي عائق يمكن ان يمنعها عما كانت تريد تحقيقه..
أخذت قرارها و خرجت من الشرفة لتجدهم
مجتمعين يتناولون القهوة بعد الغداء.. تطلع لها الجميع و لوجهها المتورم و عيناها الحمراء المنتفخة من آثار البكاء... أول من ركضت إليها كانت والدتها..
هنية هدى
18  19  20 

انت في الصفحة 19 من 123 صفحات