الجمعة 29 نوفمبر 2024

رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 74 من 80 صفحات

موقع أيام نيوز

 


أصدق إنك توافق على ده.
حرك يديه للأعلى قليلا ليضغط برفق على كتفيها قائلا في لطافة
حبيبتي إنتي جوهرة حياتي وكل ما أملك سايبه عشانك كون إني شايفك في الحالة دي بيضايقني أكتر.
نكست رأسها قائلة في حزن عميق
من
حقي أزعل وأتقهر.
للمرة الأولى يرى ابنته على هذه الحالة البائسة فتعاطف معها بقوة وتخلى عن أسلوبه الجاف في التعامل ليرد عليها

هوني على نفسك.
مسحت بظهر كفها دموعها وقالت فجأة بعزم غريب
أنا لازم أسافر ل مهاب وأعرف منه ليه خبى عليا الحقيقة وأرجوك ما تمنعنيش!
لم يعارضها وأبدى موافقته كنوع من الدعم لها
ماشي طالما ده هيريحك.
وكيف لها أن تجد الراحة وقد فقدت ما لا يمكن توضيعه مهما امتلكت من كنوز الدنيا وثروتها!
...............................................
استرعى انتباهه بل الأحرى أن يقال كامل اهتمامه أثناء حضوره لإحدى الندوات الطبية المقامة خارج البلاد هذه الثرثرة العابرة وغير الحذرة لأحد أفراد الطاقم الطبي ممن يتشارك معهم الطاولة حيث تفاخر ذلك الشاب النزق في تفكيره بمشاركته في إجراء العملية الجراحية لابنة ذلك الطبيب الثري الذي اقتحم عالم رجال الأعمال وصار واحدا من رواده معتقدا بعدم معرفة أحدهم لهذا الشأن وبالتالي قد ينال استحسان وإعجاب من حوله حينما يظهر لهم مدى براعته في التعامل مع الأزمة الطارئة.
لم يبد الأمر غريبا على ممدوح فقد حاول استدراجه في الحديث ليعرف أكثر عن تفاصيل ما جرى ليتأكد من ظنونه على ما يبدو لم يمتلك هذا الشاب قدرا من الفطنة ليحاذر في انتقاء ما يقوله بعناية وبالتالي ظفر ممدوح بكنز من المعلومات القيمة التي ادخرها لاستخدامها وقت الحاجة. وها قد أتته اللحظة التي يستغلها فيها عندما تعقدت الأمور وصارت على المحك بعد حاډثة المربية الأخيرة والتي شهد عليها الصغير أوس. 
اتخذ مهاب موقعا معاديا لرفيقه ولم يتهاون في التعامل معه لهذا أراد ممدوح تهديده بشكل ضمني ليعيد العلاقات بينهما إلى ما كانت عليه فاستطرد وهو يمد يده تجاه اللافتة الخشبية الموضوعة على سطح المكتب والمدون عليها اسم وطبيعة مهنة رفيقه بالمشفى ليعبث بها
في كلام سمعته كده طياري إن عملية مراتك قبل ما تتجوزها حصل فيها شوشرة.
صډمه تطرقه لهذا الأمر وحملق فيه مدهوشا قبل أن ينفيه تماما كأنما لم يحدث
مش مظبوط الكلام ده!
وليبدو أكثر حزما وجدية تابع في لهجة غير متساهلة مطلقا
واللي نقل الكلام الكدب ده هيتحاسب.
التوى ثغر ممدوح ببسمة صغيرة مستمتعا برؤيته على هذا الكم من التوتر نظر له مليا قبل أن يضع اللافتة مكانها ليخاطبه ببرود
اهدى يا مهاب ما الموضوع اترمخ عليه وعدى خلاص وبقيت حرمك المصون...
ثم غمز له بطرف عينه وتابع في شيء من الټهديد الخفي
ولا خاېف لأحسن تعرف إنك شلت جزء من الرحم ساعتها هتبقى المشكلة اللي بجد!
جملته المنطوقة عن عمد والتي ظن أنه متفاخر للإدلاء بها وكشف المستور كانت مفتاح نجاته من الهلاك إذا من نقل إليه المعلومة أعطاه إياه منقوصة لذلك استراح داخله ومع هذا ظل مهاب على جديته الصارمة فأمره
ممدوح قفل على السيرة دي أنا مش عايز مشاكل مع ناريمان....
وليبدو أكثر إقناعا تعلل كڈبا
وخصوصا إنها حامل...
وكأن كلمته الأخيرة وقعت على رأسه كالمطرقة حيث ذهل كليا وردد في غير تصديق
حامل!
أكد له بجدية شديدة لئلا ينكشف أمره
أيوه حامل في الأول ولا إنت شاكك في قدراتي ولا إيه
ظلت علامات الصدمة واضحة على تعابيره وقال وهو يفرك جبينه
لأ أنا واثق إنك تقدر تجيب بدل العيل عشرة بس إنت معرفتنيش بده.
تقوس فمه في امتعاض قبل أن يحرجه بوقاحة
لأنه مايخصكش!
ارتفع حاجبه للأعلى بغيظ فتجاهل مهاب ما بدا على وجه رفيقه واستمر يوبخه
وبعدين كفاية أوي اللي حصل منك إنت ومراتك في بيتي آخر مرة.
لم يبق طويلا على بروده بل بدأ غليل نفسه يطغى عليه ورد بتحفز
وعرفت ألم
الدور ومحدش حس بحاجة.
في شيء من التحذير علق عليه
بس مش كل مرة تسلم الجرة مش بيقولوا كده في الأمثال!!
استهزأ به ممدوح بقوله السخيف
معقولة بقيت تخاف من تهاني قلبك ضعف ولا إيه
كاد أن يلزمه حده بجملة صارمة لولا أن اقټحمت ناريمان المكتب فجأة بظهورها غير المخطط له لتحل الصدمة المشوبة بالتوتر على وجه مهاب كان في مأزق خطېر كل شيء بات مهددا بالكشف عنه والاڼهيار. رغم الحنق المسيطر إلا أنه بذل الكثير من الجهد ليضبط انفعالاته ولا يظهر تأثره بحضورها الغريب. نظرت ناريمان إلى الجالس مع زوجها وخاطبته في لهجة رسمية عكست إلى حد كبير عن ضيقها لتواجده في هذا الوقت تحديدا
دكتور ممدوح! سوري مكونتش أعرف إنك هنا.
تحرك الأخير تجاهها بعدما نهض من مكانها ليصافحها قائلا بودية زائدة وهذه الابتسامة اللبقة تزين محياه
ناريمان هانم ده من حسن حظي إني أشوفك.
مبروك.
نظرت له باستغراب حائر فتدخل مهاب على الفور هاتفا بصوت لا يخلو من الارتباك
حمدلله على السلامة يا حبيبتي...
جذبها ناحيته ليعانقها وتابع في عتاب رقيق
مش كنتي تعرفيني إنك جاية علشان أروح استقبلك بنفسي
تجاهلت ما فاه به لتسأله بتحفز واضح
فاضي شوية
ألصق بثغره ابتسامة عذبة وهو يخاطبها
ولو مش فاضي يا حبيبتي ألغي كل حاجة علشانك.
ثم الټفت برأسه موجها كلامه إلى رفيقه ليظهر انسجامه معها
معلش يا ممدوح المدام رجعت خلينا نكمل شغلنا بعدين.
نظر إلى ما يفعله بتشكك وقال بتهذيب
طبعا خدوا راحتكم.
ثم دنا من ناريمان ليصافحها مجددا وكأنه بذلك يتحدى رفيقه بصورة خفية ركز نظره معها هاتفا
فرصة سعيدة يا هانم.
سحبت يدها من بين أصابعه الضاغطة عليها قائلة
ميرسي.
قبل أن يشيح ببصره بعيدا أضاف في مكر مريب
وأنا واثق إننا هنتقابل دايما.
لم يفهم مهاب ما الذي يرمي إليه بطريقته المراوغة هذه فقد استشعر بقوة نواياه غير المحمودة تجاهه خاصة بعد حوارهما السابق لهذا فكر في التصرف بحزم معه لئلا يترك له المجال ليفسد عليه حياته بأي تهديدات محتملة.
....................................................
قيل على لسان أحدهم أن من يتعذب يتعذب وحده لا يشاركه آخر أوجاعه أو آلامه لم تهنأ ناريمان للحظة منذ معرفتها بمأساتها كانت تعاني في كل وقت تتذكر فيه أنها حرمت من شيء لن تتمكن أبدا من استرداده مهما أنفقت من ثروات وأموال. أفرغت كامل ڠضبها على زوجها بعدما أصبح الاثنان بمفردهما ألقت عليه كل اللوم وكل الاټهامات رأت أنه المسئول عن سلب مكمن الأمومة منها كورت قبضة يدها ولكزته في كتفه صاړخة به
إنت قضيت على حلمي.
رغم أن ضړبتها كانت قوية إلا أنه تريث في إبداء أي ردة فعل فهذه المسألة تحديدا تحتاج لضبط النفس لاستعادة زمام الأمور. نظر إليها بعينين حزينتين وقال بلهجة حاول أن يجعلها متأثرة متعاطفة معها ليتمكن من خداعها وإجبارها على الاقتناع بحججه الواهية
صدقيني أنا عملت كل اللي أقدر عليه عشان أنقذ حياتك...
ادعى اختناق صوته وهو يتابع
غير كده كنت خسرتك للأبد...
أغمض عينيه للحظة قبل أن يفتحهما ليقول مع تنهيدة ثقيلة
وأنا مش متخيل حياتي بدونك.
نظرت إليه من بين دموعها بلوم شديد ورأى ذلك جليا في تعبيرات وجهها الناطقة بمدى عمق تأثير خسارتها عليها حاول أن يلطف من الأجواء فقال والتوتر ظاهر في نبرته
حبيبتي كل حاجة سهل تتعوض إلا إنتي!
هل حقا يصدق عبارته السخيفة تلك على ما يبدو لم يكن موفقا في اختيارها لهذا شعر بتخشبها قبل أن تنتشل يديها من راحتيه زر ما بين عينيه ناظرا إليها بترقب فرفعت ذراعيها
للأعلى ودفعته من صدره بقوة وهي تسأله في صوت مليء بالاتهام
وهخلف إزاي هيبقى عندي عيال منين 
حاول التعامل مع عصبيتها المبررة بكل تعقل وحكمة فاقترب منها قائلا بتوسل
أرجوكي إهدي.
رفضت لمساته وصړخت فيه
سيبني متقربش مني..
تجمد في موضعه ونظراته تتابعها تلفتت ناريمان حولها باحثة عن حقيبة يدها وصوتها لا يزال ېصرخ
أنا عاوزة أمشي من هنا أنا مخڼوقة.
لم يمسها واكتفى بالإشارة لها وهو يظهر انصياعه لما تريد
حاضر اللي إنتي عايزاه هعمله...
ظلت تحدجه بهذه النظرة الڼارية ومع ذلك قابلها بكل محبة وود ليخبرها في إصرار معاند لها
بس مش هسيبك لواحدك مقدرش أعمل كده.
انخرطت مجددا في نوبة بكاء أعنف فما كان منه إلا أن تقدم ناحيتها وجذبها إلى صدره رافضا تحريرها رغم سعيها الدؤوب للتخلص من حصاره بعد برهة بدأت تخبت مقاومتها واستسلمت لعطفه وحنانه وهمس مؤكدا لها تمسكه بها وإن كان بالكذب
كفاية إنك إنتي أحلى حاجة حصلت في حياتي.
.....................................................
نظر حوله بعينين مزعوجتين فالبيت لم يكن مرتبا مثلما كان في السابق وغالبية الأشياء إما متروكة في حالة إهمال أو غير نظيفة حتى ثيابه كانت لا تغسل إلا مرة واحدة أسبوعيا فيضطر بنفسه لتنظيفها وأيضا رعاية طفلته الرضيعة لم يكتف بذلك بل كان على قدر استطاعته يزيح الغبار المتراكم هنا وهناك محاولا جعل المنزل منظما. هذا النهار فاض به الكيل من الصمت والسكوت عما لا يرضيه فقرر الحديث إلى زوجته وإنهاء عملها الذي أصاب روتين العائلة بالخلل. انتظر عودتها ليفاتحها في الأمر فاستطرد في لهجة معاتبة
ينفع كده يا فردوس البيت كله مبهدل وعاوز نضافة!
وكأنه كان ينقصها تذمره ليقضي على ما تبقى لديها من طاقة استنفذت في العمل اڼفجرت هادرة به بتشنج
أنا بني آدمة وبروح ھموت نفسي يعني ولا تكونش مفكرني الخدامة اللي جبوهالك أهلك.
ضيق عينيه في استعتاب أكبر ورد
الله يسامحك بس الوضع مابقاش ينفع.
زمت شفتيها هاتفة بسخط
أل يعني كان بمزاجي!
جاء رده جادا للغاية
خلاص مالوش لازمة الشغل اللي معطلك عن بيتك ده.
رمقته بهذه النظرة الهازئة المستنقصة من رجولته قبل أن تهاجمه لفظيا
ومين هيصرف علينا إنت مثلا!!
رنة الاستحقار الظاهرة في صوتها أحرجته وجعلت ملامحه تغيم بشدة فقال في ضيق
أنا بعمل اللي ربنا بيقدرني عليه.
مجددا سخرت منه بإهانة واضحة
أه بأمارة ما أنا رامية البت طول النهار عند الجيران عشان ماتحوجش للي يسوى واللي مايسواش!!!
كاد يرد عليها لكنها رفعت من نبرتها لتواصل هجومها الكلامي عليه
يا راجل إنت ليك عين تتكلم أصلا ما تطلع من جيبك وتديني العشرات والميات!!
يوم ما تصرف على البيت ده وتستتني زي الرجالة اللي بجد يبقالك الكلام غير كده هو ده اللي عندي يا جوزي!
كلمتها الأخيرة كانت ساخرة ومهينة إلى شخصه ابتلع عوض مرارة الإهانة وأحنى رأسه على صدره لتتركه فردوس في مكانه متسمرا حتى تتجه إلى غرفة نومها وتبدل ثياب العمل بأخرى مريحة. شيعها زوجها بنظراته الآسفة متمتما في قلة حيلة
هقول
 

 

73  74  75 

انت في الصفحة 74 من 80 صفحات